بدأت رسالة عمان كبيان مفصّل أصدره صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ، عشيّة السابع والعشرين من رمضان المبارك عام 1425هـ/ التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004م، في عمّان، الأردن. وغايتها أن تعلن على الملأ حقيقة الإسلام وما هو الإسلام الحقيقي ، وتنقية ما علق بالإسلام مما ليس فيه، والأعمال التي تمثّله وتلك التي لا تمثّله. وكان هدفها أن توضح للعالم الحديث الطبيعة الحقيقية للإسلام وطبيعة الإسلام الحقيقي.
ومن أجل إعطاء البيان شرعية دينية أكبر، بعث جلالة الملك عبدالله الثاني بالأسئلة الثلاثة التالية إلى أربعةٍ وعشرين عالماً من كبار علماء المسلمين من ذوي المكانة المرموقة من جميع أنحاء العالم، يمثلون جميع المذاهب والمدارس الفكرية في الإسلام:
- تعريف من هو المسلم؟
- وهل يجوز التكفير ؟
- ومن له الحق في أن يتصدّى للإفتاء؟
واستناداً إلى الفتاوى التي أصدرها هؤلاء العلماء الكبار (الذين من بينهم شيخ الأزهر، وآية الله السيستاني، والشيخ القرضاوي)، دعا جلالة الملك عبدالله الثاني، في تموز (يوليو) 2005م، إلى عقد المؤتمر الإسلامي الدولي الذي شارك فيه مائتان من العلماء المسلمين البارزين من خمسين بلداً. وفي عمّان، أصدر العلماء بالإجماع توافقهم على ثلاث قضايا رئيسية غدت تعرف فيما بعد كــ “محاور رسالة عمّان الثلاثة”، وهي:
(1) إنّ كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى فضيلة شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح.
كما لا يجـــوز تكفير أيّ فئة أخــرى مـن المسلمين تؤمــن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
(2) إنّ ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير ممّا بينها من الاختلاف. فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادىء الأساسيّة للإسلام. فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحداً أحداً، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزَّل، وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً للبشرية كافّة. وكلهم متفقون على أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت، وعلى أركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه. واختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وليس في الأصول، وهو رحمة. وقديماً قيل: إنّ اختلاف العلماء في الرأي أمرٌ جيّد.
(3) إنّ الاعتراف بالمذاهب في الإسلام يعني الالتزام بمنهجية معينة في الفتاوى: فلا يجوز لأحد أن يتصدّى للإفتاء دون مؤهّلات شخصية معينة يحددها كل مذهب، ولا يجوز الإفتاء دون التقيّد بمنهجية المذاهب، ولا يجوز لأحد أن يدّعي الاجتهاد ويستحدث مذهباً جديداً أو يقدّم فتاوى مرفوضة تخرج المسلمين عن قواعد الشريعة وثوابتها وما استقرَّ من مذاهبها.
وقد تبنت القيادات السياسية والدينية في العالم الإسلامي هذه النقاط الثلاث بالإجماع في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في مكّة المكرمة في كانون الأول (ديسمبر) عام 2005م. وعلى مدى عام من تموز(يوليو) 2005م إلى تموز (يوليو) 2006م، تم تبنّي النقاط الثلاث بالإجماع أيضاً في ستة مؤتمرات إسلامية عالمية أخرى، كان آخرها مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي العالمي (ومقرّه جدّة)، الذي عقد في عمّان في تموز (يوليو) 2006م. فكان محصلة ذلك أن ما يزيد على خمسمائة عالم إسلامي بارز من مختلف أرجاء العالم وافقوا بالإجماع على رسالة عمّان ومحاورها الثلاثة. [ يمكنكم إن تضغطوا هنا للاطلاع على قائمة الأسماء الكاملة لهؤلاء العلماء].
إن هذا يُعد بمثابة إجماع تاريخي ديني وسياسي من أمة الإسلام في أيامنا هذه، وتعزيز لصورة الإسلام الحنيف. و أهمية هذا هو: (1) أن هذه هي المرّة الأولى منذ ما يزيد على ألف عام تتوصل فيها الأمة رسمياً وبصورة مُحدّدة إلى مثل هذا الاعتراف المتبادل بين المذاهب المتعددة، (2) وأن مثل هذا الاعتراف ملزم قانونياً للمسلمين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “إن أمتي لا تجتمع على ضلالة” (ابن ماجة، السنن، كتاب الفتن، حديث رقم 3950).
وهذه أخبار طيبة، ليس للمسلمين الذين يوفر لهم قاعدة للوحدة وحلاّ للتنازع فيما بينهم فحسب، ولكن لغير المسلمين أيضاً؛ ذلك أن حماية المذاهب في الإسلام، تعني بالضرورة الحفاظ على الضوابط ووسائل الرقابة الداخلية في الإسلام. وبهذا تضمن وجود حلول إسلامية متوازنة للقضايا الرئيسية مثل حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحرية الأديان، والجهاد المقبول شرعاً، والمواطنة الصالحة للمسلمين في البلدان غير الإسلامية، والحكومة العادلة الديمقراطية. كما أنها تعرّي آراء الأصوليين المتطرفين والإرهابيين، غير المقبولة شرعاً من وجهة نظر الإسلام الحقيقي. ويحضرنا في هذا المقام ما صرّح به جورج يو وزير خارجية سنغافورة في الدورة الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة (حول رسالة عمّان)، عندما قال: ” إن الحرب ضد الإرهاب ستكون أكثر صعوبة دون هذا التوضيح”.
وأخيراً، مع أنه يعتبر هذا، بفضل الله، إنجازاً تاريخياً، فمن الواضح أنه سيبقى قليل الفاعلية إن لم يمارس في كل مكان. ولهذا يسعى جلالة الملك عبدالله الثاني الآن لتنفيذه، بمشيئة الله، من خلال إجراءات عملية متنوعة، تشمل (1) المعاهدات ما بين المسلمين، (2) و التشريعات الوطنية والعالمية التي تستفيد من المحاور الثلاثة لرسالة عمّان لتعريف الإسلام وعدم إجازة التكفير، (3) و الاستفادة من النشر ووسائل الإعلام المتعددة في مختلف المناحي لنشر رسالة عمّان، (4) و إدخال تدريس رسالة عمّان في المناهج المدرسية والمواد الدراسية الجامعية في أنحاء العالم، (5) و جعل رسالة عمّان جزءًا من برنامج التدريب لأئمة المساجد وتضمينها في خطبهم ومواعظهم ودروسهم الدينية